شهر القرآنَ! لماذا نصوم إذًا؟
شهر القرآنَ! لماذا نصوم إذًا؟
لربما تتساءل لِمَ يُخصُّ هذا الشهر بكل هذه الأهمية والتعظيم؟ وما الميزة في ثلاثين يومًا مثلها مثل أي ثلاثين يومًا أخرى من أيام الشهور؟ ولِم نخصُّها بالصوم؟ ولِمَ يُكثِرون من الوعظ والحث فيها على الارتباط بالقرآن والتدبر فيه ومعايشة آياته؟
لا تبحث بعيدًا فالقرآن نفسه يجيب عن كل تساؤلاتك ببساطة وتفصيل فيقول لك ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ويقول: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ جملة من سطر واحد تمثل بطاقة تعريفية لذلك الشهر وتخبرك أنه شهر اتصلت فيه السماوات بالأرض ونزل فيه الخطاب الإلهي لآخر مرة على آخر أمة، لذلك حُقَّ له أن يحظى بكل هذا التعظيم، ووجب عليك أن تصنع فيه رابطة قوية بينك وبين القرآن لأنه ببساطة شهر القرآن.
حسنًا.. ما العلاقة بين الصيام والقرآن إذًا؟ إذا كان هو شهر القرآن فلم لا نكثر فيه من القراءة والحفظ والتدبُّر ونترك الصوم لأي يوم أو أي شهر آخر!
تعالَ ننظر في معنى الصوم لندرك الحكمة، فالصوم إمساك عن الشهوات والملهيات لفترة زمنية معينة، وخلال تلك الفترة تحصل للروح والجسد تغيرات من صفاء وهدوء وسكينة، فالجسد فارغ من الطعام والشراب والذهن صافٍ ممتنع عن الشهوة، ومَرَدة الشياطين مقيَّدة مسلسلة والمجتمع كله مُجتمِع على عبادة واحدة يسير بنسق واحد في ليله ونهاره، وكأن كل هذه الأمور مجتمعة تعدُّ بمثابة جنود مجنَّدة لصالح القرآن تعين الصائم على التدبُّر والإقبال على كتاب الله بذهن لا تشغله وجبة ولا زوجة ولا تصرفه وسوسة، ولذا تتعجَّب من فعل السلف في رمضان حيث كانوا يتوقفون حتى عن دروس العلم ويتحلَّلون من بعض النوافل والعبادات غير الواجبة ليتفرَّغوا لكتاب الله فقط، وكفانا فعل جبريل (عليه السلام) مع محمد (صلى الله عليه وسلم)، فقد كان يدارسه القرآن في رمضان خاصةً، والمدارسة إما أن يقرأ أحدهما ربعًا أو حزبًا ويكمل الآخر بعده وإما أن يقرأ الأول ويعيد الثاني ما قرأه الأول، والأخير هو ما كان يفعله جبريل مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) على الأصح، وفي هذا إشارة إلى المجهود المبذول في القراءة والتدبُّر، فكيف هو جهدنا نحن إن كان هذا هو جهد أمين السماء مع أمين الأرض!
أنت في رمضان تبني علاقة مع القرآن وارتباطًا معينًا أيًّا كان هذا الارتباط، فكلٌّ بحسب جهده فمُقِلٌّ ومستكثر، وغرضك من بناء هذه الرابطة لا أن تعقدها أول الشهر وتفكَّ زمامها آخره، وإنما غرضك أن تظلَّ مرتبطًا به حتى آخر عمرك، والقرآن سيساعدك على ذلك، فقط أقبِل عليه بصدق، واسأل من ذاق قبلك!
الفكرة من كتاب روح الصيام ومعانيه
كثيرة هي نفحات الدهر التي يتودَّد الله فيها لعباده، يتودَّد ليعطي ويسبغ فضله وكرمه وعطاءه، ومن أعظم هذه النفحات شهر رمضان شهر القرآن شهر الإحسان، بل شهر الأقدار والتغيير الحقيقي والقرارات الحاسمة، فَيَا بَاغِيَ الخير أَقبِل ويَا بَاغِيَ الشرِّ أَقصِر.
مؤلف كتاب روح الصيام ومعانيه
عبد العزيز مصطفى كامل،كاتب وعضو مجلس إدارة بمجلة البيان، حاصل على ماجستير ودكتوراه في الشريعة، وللشيخ مؤلفات عديدة ومقالات متنوعة تخدم مجال الشريعة، ومن أبرزها:
العلمانيون وفلسطين: ستون عامًا من الفشل وماذا بعد؟
قبل الكارثة.. نذير ونفير.
معركة الثوابت بين الإسلام والليبرالية.