تقدير الذات وخلق مجتمع من النرجسيين
تقدير الذات وخلق مجتمع من النرجسيين
ينتشر الاهتمام بتقدير الذات في كل ربوع العالم في عصرنا الحاضر، في المدارس والجامعات والبرامج التليفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي، فلا حديث يعلو فوق حديث أنت رائع، أنت جميل، أنت مهم، وغير ذلك من الكلمات الإيجابية بغض النظر إن كنت فعلت شيئًا يستحق هذا التقدير والثناء أم لا، ومن هنا يثور تساؤل هام: ما المشكلة في الاهتمام بتقدير الذات؟ تكمن المشكلة في أنه لا توجد أدلة علمية تؤكد أن التقدير العالي للذات يلزم منه شيء نافع للإنسان، بل الواقع يقول لنا إن كثيرًا ممن يمتلكون القليل من تقدير الذات قد حققوا ما يريدون، وأن كثيرًا مِمَّن يتمتعون بتقدير عالٍ للذات تكمن سعادتهم في كونهم أغنياء أو يتمتعون بالجمال فقط.
وبناءً على ذلك فإن الاعتقاد بأن الأشخاص الذين يتمتعون بتقدير عالٍ للذات هم فقط من سيبلون بلاءً حسنًا، هو تجاهل لإشكال هام يتمثل في أن التقدير المفرط للذات يجعل الإنسان مفرط الثقة نرجسيًّا غير قادر على العمل الجاد، وهو ما يؤدي إلى الاعتقاد بأن ما فيه الإنسان من فشل هو نتاج البيئة والمحيطين به، بينما في الحقيقة لا يرتبط تقدير الذات بالسلوك الإيجابي أو السلبي، لأن الحياة معقدة جدًّا، ومن ثمَّ فإن الشيء الوحيد الذي يمنحنا شعورًا جيدًا تجاه أنفسنا، هو تحقيق إنجازات حقيقية على أرض الواقع، وليس إنجازات وهمية متخيلة.
فمثلًا نجاح المدراس في تعليم الطلاب القراءة والكتابة سيكوِّن لدى الطلاب إحساسًا حقيقيًّا بالإنجاز وتقدير الذات، لكن فشلها في تعليمهم القراءة والكتابة، وفي الوقت نفسه إشعارهم بالرضا عن أنفسهم، سوف يؤدي إلى خلق المشكلات التي ستنفجر عاجلًا أم آجلًا عندما يصطدم هؤلاء الطلاب بالواقع، ويعلمون أنهم جاهلون، وأن معلميهم كذبوا عليهم ونافقوهم، وبناءً على ذلك يجب أن يكون الثناء مكافأة مرتبطة بإنجاز على أرض الواقع، فتركيزنا على أنفسنا وتجاهل الحقيقة يغذي حب الذات غير الواقعي، الذي يتحول بالتدريج إلى نرجسية بغيضة، ومن ثم فإن البحث المستمر عن تقدير الذات موضة تدور في فلك الذات، وشكل مقنَّع من عبادتها، ولو تقبلنا ذلك فسوف نكون أمام ملايين، بل مليارات من البشر المُلمَّعين على غير الحقيقة!
الفكرة من كتاب علم النفس دينًا.. مذهب عبادة الذات
شاعت في السنوات الماضية عبارات مثل: “أنت تستطيع“، “يمكنك أن تفوز“، “ليس هناك مستحيل“، كما رُوِّج لمصطلحات مثل: “تحقيق الذات” عن طريق المقالات والكتب والتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي والدورات التدريبية والمحاضرات، وحتى الأفلام والمسلسلات، وكلها تدور حول التمركز حول الذات وتقديم وصفات أشبه بالوجبات السريعة لتحقيق الأهداف الفردية وبلوغ النجاح في الحياة،
هذا بغض النظر عن تأثيرات ذلك في المجتمع، ومنبع كل ذلك هو علم النفس الذاتي الذي يمجد القيمة الفردية الشخصية، ما يجعل الإنسان يدور في فلك نفسه فقط، باحثًا عن الفائدة والمنفعة في أي علاقة إنسانية، وقد نتج عن ذلك العزلة والوحدة، ومن هنا يهدف هذا الكتاب إلى وضع علم النفس في حجمه الحقيقي، وإزالة الهالة الكاذبة التي تحيط به، ويوضح أن علم النفس تحول إلى دين وأيديولوجيا، وأصبح يعتمد على المشاعر أكثر من اعتماده على العلم، فصار جزءًا من مشكلة المجتمع المعاصر، وليس جزءًا من الحل.
مؤلف كتاب علم النفس دينًا.. مذهب عبادة الذات
بول سي. فيتز: هو عالم نفسي أمريكي، وأحد كبار الباحثين في جامعة Divine Mercy في سترلينج بولاية فيرجينيا، وهو أستاذ فخري لعلم النفس بجامعة نيويورك، متخصص في العلاقة بين علم النفس والدين، من مؤلفاته:
نفسية الإلحاد.
Modern art and modern science: The Parallel Analysis of Vision
Defending the Family: A Sourcebook
معلومات عن المترجم:
عبد القادر مساعد الجهني: هو طبيب أطفال، ومدرب في المجال الطبي، ومن المهتمين بالتعليم الطبي والتثقيف الصحي، ومهتم أيضًا بالأدب والشعر. ومن ترجماته:
هل جيناتي جعلتني هكذا؟