تجربة سجن ستانفورد كدليل على قوة تأثير الموقف والنظام في توجيه سلوك الإنسان
تجربة سجن ستانفورد كدليل على قوة تأثير الموقف والنظام في توجيه سلوك الإنسان
تُعد تجربة “سجن ستانفورد” من أشهر التجارب التي أجريت في السبعينيات من القرن المنصرم، إذ أنشأ “فيليب زيمباردو” سجنًا وهميًّا يحاكي به السجن الحقيقي في الطابق السفلي من قسم علم النفس بجامعة ستانفورد، وجمع متطوعين من الطلبة الجامعيين الأخيار الذين لا يعانون أي اضطرابات نفسية أو مشكلات في حياتهم الاجتماعية، مع العلم أنهم لم يكونوا يعلمون شيئًا عن ماهية التجربة وشكلها، وكان الهدف من التجربة معرفة ماذا سوف يحدث إن وضعنا أشخاصًا صالحين في موقف أو بيئة فاسدة، وقسم الطلبة عشوائيًّا إلى سجناء وحرَّاس للسجن، وكانت مدة التجربة أسبوعين، وسيحصل كل متطوع على 15 دولارًا عن كل يوم، مع إمكانية طلب أي منهم الانسحاب من التجربة في أي وقت يشاء.
قام الحرَّاس -كما في السجون الحقيقية- بعملية إحصاء للسجناء وتسميتهم بأرقام معينة بدلًا من أسمائهم، ومنذ اللحظة الأولى استخداموا سلطتهم، فأمروا السجناء بخلع ملابسهم وعدم التحرك والتزام الصمت، ودون أي توجيه من زيمباردو، بدؤوا يسخرون من أجسام السجناء وأعضائهم التناسلية، وأمروهم بأداء تمارين الضغط عقابًا لهم على تململهم في تنفيذ الأوامر!
تسلل الإحباط إلى السجناء بسبب ما يفعله بهم الحرَّاس، وفي ثاني أيام التجربة، أطلق الحرّاس صافرات إيقاظ السجناء من النوم، إلا أنهم تأخروا في الخروج من زنازينهم، ما دفع أحد الحراس إلى إلقاء البطانيات والملاءات على الأرض، فصرخ أحد السجناء فيه، فما كان من الحارس إلا أن لكمه بقبضة يده بقوة في صدره، ثم أخذه وعاقبه بوضعه في حفرة مظلمة عقابًا له، وفي صباح اليوم التالي تمرد اثنان من السجناء واعتصما في الزنزانة، ما دفع الحراس إلى دخولها بالقوة وإخماد التمرد، واستخدموه في ما بعد لتبرير مزيد من السيطرة والتسلط!
الفكرة من كتاب تأثير الشيطان.. كيف يتحول الأخيار إلى أشرار؟
إذا ارتكب أي فرد فعلًا شائنًا أو ارتكب أي جريمة، فعلى الفور تتوجه أصابع الاتهام إلى طبيعته الإنسانية وجيناته وطباعه وميوله وفقًا للتفسير النزوعي، لكن زيمباردو يعارض هذا التفسير، ويستعيض عنه بالتفسير الظرفي للسلوكيات البشرية، إذ يرى أن الضغوط والقوى الظرفية والمواقف التي يتعرض لها الإنسان لها قدرة كبيرة على التأثير في سلوكه، ومن ثمَّ فهو يؤكد على أن الامتثال للمجموعة والانصياع للسلطة يمكن أن يهيمن على روح المبادرة في الفرد ويدمرها، وبين ذلك من خلال تجربة “سجن ستانفورد“
تلك التجربة التي كشفت لنا كيف يمكن لبشر عاديين وصالحين -قد نكون أنا وأنت منهم- أن يسقطوا ويرتكبوا أفظع الجرائم، ويقوموا بأفعال فاسدة ومؤذية ضد الآخرين، لذا فهو يقترح تبني نموذج الصحة العامة بدلًا من نموذج معالجة المرضى، ويؤكد على أن فهم دور الموقف والنظام في توجيه سلوك الفرد لا يعني إعفاءه من مسؤولية التورط في أفعال شريرة أو غير أخلاقية أو غير قانونية، ومن ثم فإن الكتاب محاولة لفهم سلوكيات البشر الشريرة، وليس تبريرًا لأفعالهم.
مؤلف كتاب تأثير الشيطان.. كيف يتحول الأخيار إلى أشرار؟
فيليب زيمباردو: هو أستاذ علم النفس المتقاعد بجامعة ستانفورد، وسبق له التدريس في العديد من الجامعات الأمريكية، تولى منصب رئيس جمعية الطب النفسي الأمريكية، وهو مدير مركز ستانفورد للسياسات الانضباطية والتعلم وأبحاث الإرهاب، ومن مؤلفاته:
The Shy Child: Overcoming and Preventing Shyness from Infancy to Adulthood
Shyness: What It I, What to Do About It
Psychology and Life
معلومات عن المترجم:
هشام سمير عناية الله: هو مترجم وباحث مصري، تخرج في كلية اللغات والآداب بجامعة ميلانو بإيطاليا، وتخصص في اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ومن ترجماته:
مختصر تاريخ الجنس البشري.
الحرب الهادئة.. مستقبل التنافس العالمي.
بنات إبراهيم، الفكر النسوي في اليهودية والمسيحية والإسلام.