تابع دلالات الأيديولوجيا

تابع دلالات الأيديولوجيا
لا ينعزل مفهوم الأيديولوجيا عن المجتمع بأية حال، فرأيناه يُستخدم لمصالح طائفة دون أخرى، لذا لا يمكننا أن نجعل المجتمع المرجع الأول والوحيد لنفرق بين الحق والباطل، لأن ذلك قد يضعنا في معضلة النسبية، التي تنفي وجود حقيقة أو أرضية واحدة نستطيع من خلالها الحكم على الأشياء. قام هِيجل ليحل تلك المعضلة، وقال إن الحل يكمن في إيجاد روح هذا العصر، فإن كانت ثقافة المجتمع تمثل في لحظة ما صورة تامة، فمع تغيرها أو مرور الزمن عليه نجد أنها بالضرورة ستبدو ناقصة، لا تعبر إلا عن جزءٍ من الواقع، وحدد هِيجل أن التاريخ المطلق يكمن في روح التاريخ الإنساني الذي يسعى إلى تحقيق الحرية، ورأى في التاريخ العام تلك الصورة الكاملة التي تستطيع أن تعطينا ملابسات وأحداث أي مجتمع.
يكمل ماركس نظرية التاريخ ويبين أن التاريخ لا يمكن أن يكمن في الوقائع الكبرى فحسب، من أحداث سياسية وحروب دينية ونزاعات طبقية، إذ إن هذا كله يشكل وهمًا في إدراك حقيقة العصر، ورأى أن كل حقبةٍ تاريخية تدور في معطيات مادية محددة من موقع جغرافي وتعدادٍ وأدوات، يترتب عليها معرفة باقتصاد ذلك البلد وقوته العسكرية وإنتاجه المادي، فإذا حددنا تلك المعطيات استطعنا إيجاد روح العصر، التي تكمن في نظامها الإنتاجي.
إننا عندما ندرك أي مجتمع ندركه بصفته كيانًا واحدًا، يتفق جميع أعضائه في الولاء لقيم مشتركة، وحتى يصل الباحث إلى رسم معالمها عليه أن يحلل ويؤول أعمال العصر ككل، وهكذا فإن الأيديولوجيا لا تنتعش إلا في المجال الجماعي، وتلك الأيديولوجيا تحدد أفكار الأفراد والجماعات وأعمالهم بكيفيةٍ خفيةٍ غير واعية، ومن ثم نرى أن الأيديولوجيا تستعمل كرؤية يرى الإنسان من خلالها الكون والوجود ككل، وتلك الرؤية والإدراك لا ينفصلان بأي حال عن التاريخ، فلا تنفصل الأفكار عن سياقها التاريخي، الذي يحدد زمانها ومكانها ووضعيتها وحالتها، لذا فإن التاريخ والمجتمع يشكلان العنصرين الأساسين لتحديد مفهوم الأيديولوجيا.
الفكرة من كتاب مفهوم الإيديولوجيا
ما من أحدٍ يطالع كتابًا يتحدث عن الثقافة والفكر إلا اعترضته لفظة “أيديولوجيا”، فما معنى هذا اللفظة؟ وما الذي تحويه من دلالة؟ ومتى ظهرت؟ وكيف تطورت؟ يرى العَرْوِي أن المفاهيم النظرية هي المدخل الأساسي لأي مراجعة معرفية، فاندفع لكتابة سلسلة المفاهيم التي منها هذا الكتاب، وكان أخصها مفهوم الأيديولوجيا، الذي يعد المدخل الأساسي للتعاطي مع أي منظومة فكرية معينة، أو سياق تاريخي لتيار أو مدرسة معرفية ما، فحاول العَرْوِي ترسيم دلالات مفهوم الأيديولوجيا ومجالاته ومراحل تطوره، وصيرورته التاريخية.
مؤلف كتاب مفهوم الإيديولوجيا
عبد الله العروي: مفكر وأديب وروائي مغربي، ولد في مدينة أزمور المغربية عام 1933م، تلقى تعليمه في العاصمة الرباط، ثم أكمل تعليمه العالي في جامعة السوربون في فرنسا عن أطروحته للدكتوراه التي حملت عنوان “الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية 1830-1912″، ثم عمل بعدها مدرسًا في كلية العلوم الإنسانية في جامعة محمد الخامس، أصدر عديدًا من المؤلفات، ومنها:
الإيديولوجيا العربية المعاصرة.
العرب والفكر التاريخي.
ثقافتنا في ضوء التاريخ.
مفهوم الحرية.
مفهوم الدولة.





