بين الحضارات القديمة والشرائع السماوية
بين الحضارات القديمة والشرائع السماوية
إذا سافرنا في رحلة عبر الزمن وجدنا امتدادًا لتاريخ الحجاب في الحضارات القديمة المختلفة، فنجد عند الآشوريين (1100-1400 ق.م.) قانونًا شائعًا يوجب ارتداء الحجاب على المرأة الحرة ويحظره على الإماء والبغايا، فارتبط عندهم الحجاب بالحرية والشرف، ونجد غطاء الرأس كذلك في اليونان القديمة (323 – 550 ق.م.)، ونجده عند الرومانيين كذلك، إذ كان زيًّا بارزًا ترتديه العروس في زفافها، بلون أصفر إشارة إلى شعلة الشمعة مما يجعله عندهم رمزًا إلى الطهر والجلالة، والحجاب في الحضارات القديمة عمومًا يمثِّل رمزية اجتماعية أخلاقية، ولم تكُن له جذور دينية، ولم يكن الحجاب موجودًا في كل المجتمعات أو في كل العصور، إلا أن الاحتشام كان صفة سائدة في تاريخ نساء البشرية بشكل عام، معبرًا عن الفطرة التي تمتد وتنحسر في تاريخ الأمم لكنها لا تختفي.
فالشرائع السماوية كلها تدعو إلى الحياء والحشمة، وتحذر من التعري والسفور صيانةً للنفس وحفظًا لها، وتتفق على أن الحجاب عبادة يُتعبَّد لله بها. ففي قصة آدم (عليه السلام) نجد أن الله منَّ عليه بالستر، قال تعالى: ﴿إنَّ لَك أَلَّا تَجُوع فيهَا وَلَا تَعْرَى﴾، ونلاحظ اقتران الجوع بالعري، فالجوع ألم الظاهر والعري ألم الباطن كما يقول ابن القيم في تفسيره، وفي قصة بلقيس ملكة سبأ نلاحظ حياء الملكة التي لم تكشف عن ساقيها إلا اضطرارًا حين حسبت الصرح لُجة.
أما نصوص أهل الكتاب فقد ظلَّ فيها برغم تحريفها ما يوضح أهمية الستر والعفاف، فنجد في نصوص الشريعة اليهودية تحريم ظهور المرأة بغير حجاب أمام الأجانب، فلم تكن المرأة اليهودية تظهر على الملأ بغير حجاب أو نقاب، وكذلك نجد في الشريعة النصرانية عبارات كثيرة تدل على الحجاب، لذا نرى الراهبات المسيحيات اليوم يرتدين حجابًا مؤكدات ذلك.
أما المرأة الغربية فقد كانت الحشمة عندها سائدة ثابتة، مستمِدة هذه الفضيلة من الرسالات السماوية، وبقايا عادات الحضارات القديمة لعدة قرون في معظم الدول، وتزخر الآثار التاريخية بما يدل على ذلك، مثل نساء الأنجلوسكسون ونساء الأنجلونورمان وغيرهن، وإن اختلف شكل غطاء الرأس ووصفه من بلد إلى آخر.
الفكرة من كتاب وشاح القمر.. المرأة بين الحجاب والسفور
يصف العنوان المرأة بأنها قمر، ويشبِّه حجابها بوشاح يزيدها جمالًا، ويأخذنا هذا الكتاب في جولة تاريخية نرى فيها أن الحجاب ليس أمرًا إسلاميًّا بحتًا كما نظن، وإنما الحجاب والاحتشام خُلُقُ بادٍ على مر الزمان، ثم نرى كيف سطعت شمس الإسلام على المرأة العربية لتنقلها من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام، ثم نشاهد انتقال أوروبا من الاحتشام إلى السفور، وتأثر دول العالم الإسلامي بحركة تحرير المرأة.
مؤلف كتاب وشاح القمر.. المرأة بين الحجاب والسفور
سارة النوري، والدكتور فاطمة سامي، ومنيرة الذكير، وأسماء الشطي، ومها المنيع من مجموعة “إيوان: تأصيل وتبيان” التي تهدف إلى التأصيل لفقه المرأة المسلمة من خلال نشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وترتيب لقاءات وبرامج علمية عن بُعد، وهذا الكتاب هو أول إصداراتها من الكتب بالتزامن مع مبادرتها التوعوية “قمر” لتعزيز مفهوم الاحتشام والستر.