النشأة والطفولة
النشأة والطفولة
عدَّ الكاتب “مارك توين” ولادته إنجازًا عظيمًا كونها قد أسهمت في زيادة عدد السكان في فلوريدا بنسبة واحد بالمائة، وفي تلك القرية كانت البيوت جميعها مصنوعة من جذوع الأشجار، وكان في القرية دكان لعمِّه، يبيع فيه لفائف القماش والقهوة والسكر وأشياء أخرى، وكان عمه مزارعًا أيضًا، يسكن في ريفٍ يبعد عن فلوريدا مسافة أربعة أميال، كان هذا العم حبيبًا لدى “مارك توين”، يستضيفه في كل عام شهرين أو ثلاثة أشهر، في مزرعته التي كانت جنة في نظر الأولاد، وفيها منزل من طابقين من الخشب، وطاولة بالقرب من المطبخ حيث الظل البارد والنسيم الرائع، وما يحبه الجميع من الطعام والشراب، وبالقرب من تلك المزرعة هناك الكثير من مناطق الخضرة الشديدة والأشجار وارفة الظلال، وبرك السباحة، وغرفة صغيرة من الخشب تقابل السياج، تسكنها عبدة مسنة عجوز ملازمة للفراش، كان يظنها الأطفال لكبر سنها قد قاربت الألف عام، وكان الأطفال يسمونها “العمة حنة”.
لقد كانت تلك المزرعة عميقة الأثر في مخيلة “مارك توين”، وظل يتذكر تفاصيلها بكل وضوح طيلة حياته، حجرة تجمُّع العائلة، وموقد الحطب في ليالي الشتاء، وعمَّته تغزل بصنارتها، وعمه يدخن غليونه، وفي الجزء الخلفي كان الأطفال يلعبون.
الدكتور “ميريدث” هو طبيب العائلة، والذي كان يتقاضى خمسة وعشرين دولارًا في العام بأكمله عن جميع أفراد العائلة، وهو رجل طيب أنقذ حياة “مارك توين” مرات كثيرة، إذ كان طفلًا مريضًا ضعيف البنية يعيش على الأدوية في السنوات السبع الأولى من حياته، وكانت المدرسة في المنطقة الريفية بمسافة ثلاثة أميال عن المزرعة، وكان الأطفال يذهبون إليها في فصل الصيف مرة أو مرتين أسبوعيًّا، ويحضرون غداءهم معهم ويأكلونه وقت الظهيرة في ظل الأشجار، وهي مرحلة تعليمية يتذكَّرها “مارك توين” برضا وسعادة، وهكذا ظل “مارك توين” يقضي جزءًا من كل عام في مزرعة عمه حتى بلغ الثانية عشرة أو الثالثة عشرة من عمره، في أيام مليئة بالسعادة والجمال قضاها مع أقاربه، حتى أنه من فرط جمالها ظل يذكر جميع تفاصيلها.
الفكرة من كتاب مارك توين.. سيرة ذاتية
يُقدِّم الكاتب الأمريكي “مارك توين” لسيرته الذاتية بأسلوبه الأدبي المشوِّق، ليجذب إليه نظر القارئ من الوهلة الأولى، فيقول: “سأضع في اعتباري في هذه السيرة الذاتية أني أتحدث إليكم من وراء القبر، وأني سوف أكون في عداد الأموات حين يصدر هذا الكتاب.. لقد بدا لي أنه يمكنني أن أتحدث بمطلق الراحة والحرية -كما لو كنت أكتب رسالة غرامية- في حال تأكد لي أنَّ ما سأكتبه لن تقع عليه عين إلا بعد وفاتي وتحرُّري من قيود هذه الدنيا”.
إن ما يجعل أي سيرة ذاتية جديرة بالقراءة هو الصدق والقرب ومقدرة الإنسان على أن يجعل القارئ مُشاركًا له في همِّه، وقد استطاع مارك توين في سيرته الذاتية أن يجعلنا مشاركين معه في ألمه وسخريته في ذات الوقت، على الرغم من مرور قرن من الزمان على أحداثها الحقيقية الحية.
مؤلف كتاب مارك توين.. سيرة ذاتية
مارك توين: واسمه الحقيقي “صمويل لانغهورن كليمنس”، هو كاتب أمريكي ساخر، ولد في 30 نوفمبر 1835، وتوفي في 21 أبريل 1910، وقد نُقِلت عنه الكثير من الأقوال المأثورة والساخرة، وكان صديقًا للعديد من الرؤساء والفنانين ورجال الصناعة وأفراد الأسر المالكة الأوروبية، ووصف بعد وفاته بأنه “أعظم الساخرين الأمريكيين في عصره”، كما لقَّبه وليم فوكنر بأبي الأدب الأمريكي.
أهم أعماله: “مغامرات هكلبيري فين” (1884) التي وصفت بأنها “الرواية الأمريكية العظيمة”، و”مغامرات توم سوير” (1876).