المحطات العمرية
المحطات العمرية
إن اختلاف محطات العمر لها أثر كبير في رسم سعادة المرء، ففي بداية العمر يجد المرء نفسه أمام مستقبل ممتد، وكلما دنا من النهاية شرع في استرجاع هذا الماضي الطويل الذي خلّفه وراءه، وبين كلا الأمرين تصيبه تغييرات كثيرة لها تأثير في مزاجه وطبعه الأساسي.
ويتركز اهتمام الأطفال على اكتشاف ماهية الحياة، فهي تتراءى لهم بصورة غامضة يسعون إلى اكتشافها بشتى الطرق، فالطفولة مرحلة سعادة غامرة يختلط الحنين بالألم عند تذكرها، وفيها تتولد معرفة المرء بالمفاهيم وتتكون أخلاقه التي لا يمكن أن يكتسبها من خارج ذاته، بل تنشأ من أعماقه والعوامل الخارجية تساعده على هذا، ويكتسب المرء من هذه المرحلة العمرية الشجاعة والصبر نتيجة هذا الجهد الذي بذله في التعلم لاكتساب معطيات غزيرة وفيرة.
وعندما ننظر إلى الحياة بعين الشباب نراها روايةً واقعيةً تمتزج فيها الأحلام الكبيرة، ومن رحم هذا يتولد الوهم، فالدرس الذي ينبغي للشباب معرفته هو التخلص من هذه الأوهام المصاحبة لهم في هذه المرحلة، فالعمر مهما امتد لن يكون كافيًا لتحقيق ما نريد، كما أن هذه المرحلة تكسوها مسحة من الحزن والقلق على خلاف مرحلة الشيخوخة التي يملؤها الرضا والسكينة، لأن من يعيشونها انعتقوا من أغلال الأوهام والسعي وراء الجنس الذي لا يدعهم بسلام.
لعلنا نفكر لِمَ يغلب على كثير منا في مرحلة الشباب الاندفاع، ويرجع هذا إلى غياب الموت عن إدراكنا، فنحن نرى الحياة لا نهائية رغم كل الأقوال والنصائح بحتمية نهايتها، ولا نقتنع بهذا إلا عند التقدم في العمر وفقد جذوة الحماس التي كانت ترافقنا في مرحلة الشباب فنرى الأمور على حقيقتها.
والآن نبدأ بالتساؤل، هل من الأفضل أن تكون حياة الإنسان أمامه (مرحلة الشباب) أم خلفه (مرحلة الشيخوخة)؟
وهنا تأتي إجابة الكاتب مغايرة لطبائع النفس من حب الحياة، فهو يرى أن الموت أفضل، فقلة الخبرة بماهية الحياة تجعل المرء يتمنى لنفسه ولغيره حياة طويلة، والعيش لعمر أطول يعني أن نرى شرًّا أكثر.
الفكرة من كتاب فن العيش الحكيم: تأملات في الحياة والناس
إن الحياة محكومة بقواعد أساسية كلما فطن الإنسان إليها استطاع العيش بسلام، ومن هنا سطر الفيلسوف شوبنهاور تلك القواعد في كتابه وأظهر مدى علاقتها بسعادة الإنسان وإلى أي مدًى يمكن أن تؤثر فيه، وسبل التعامل الأفضل مع الآخرين، وما يُعكر صفو حياته ويسبب الحزن له، وكيف أن السعادة والمكاسب المتحصلة خلال الحياة تختلف باختلاف المرحلة العمرية، وأي المراحل -الشباب أم الشيخوخة- تكون أفضل له.
فإن كنت ترى أن أحد هذه التساؤلات يهمك وتريد معرفته، فدعنا نأخذك للإجابة عنها بين طيات الكتاب.
مؤلف كتاب فن العيش الحكيم: تأملات في الحياة والناس
آرثر شوبنهاور : فيلسوف وناقد ألماني عُرف بفلسفته التشاؤمية عن الحياة إذ إنه يراها شرًّا مطلقًا، ويُعَدُّ أشهر مؤلفاته كتاب “العالم فكر وإرادة”، الذي سطر فيه فلسفته التي تربط بين العلاقة بالإرادة والعقل، فيرى العقل أداة بيد الإرادة وتابعًا لها.
ألَّف عددًا من الكُتب والأبحاث تجاوزت 36 كتابًا، منها:
فن أن تكون على صواب.
الأمثال عن الحكمة في الحياة.
العالم المتصور.
معلومات عن المُترجم:
عبد الله زارو: مترجم وكاتب مغربي الجنسية، مهتم بالشؤون المجتمعية الريفية، وقد ترجم عددًا من الكُتب، ومنها:
في الحل والترحال: عن أشكال التيه المعاصر.
مزايا العقل الحساس: دفاع عن سوسيولوجيا تفاعلية.
جغرافيا جبل نفوسة: دراسة ميدانية في الجغرافيا الطبيعية والمدنية.