العنف
من الأمراض المجتمعية الأخرى التي لها تشابك مع البطالة مشكلة العنف، ويعرف العنف بأنه سلوك عدواني عمدي أو شبه عمدي موجه لإيذاء الآخر، سواء كان الإيذاء موجهًا لفرد أم لجماعة، وسواء مورس بشكل فردي أم جماعي، لفظيًّا كان أم ماديًّا، كالضرب والقتل والتكسير والتدمير والشتم والتهديد.
وتتنوع أسباب العنف بين بيولوجية موروثة، وطبيعية نتيجة للبيئة الاجتماعية المبنية على عنف متبادل بين أفرادها، أو أحيانًا يكون السبب نتيجة التعرض لعنف أو ظروف أسرية، أو أسباب إعلامية كتقليد سلوك مدمر نتيجة التشبع بالصور المستمرة للعنف الذي يعرض على شاشات التلفاز في الأفلام والمسلسلات، حتى يصل الحال بالفرد إلى تبلد إحساسه تمامًا من ناحية إيذاء الآخرين، فأصبح يراه شيئًا عاديًّا.
وبالتبصر نرى أن له صورًا عدة، فمنه الموجه ضد الأسرة، وأحيانًا ضد فئة أو طبقة معينة كالأثرياء، أو ضد مؤسسات الدولة ونظامها، فتغتصب حقوق الغير، وتخرب الممتلكات والمنشآت، ويتبادل العدوان اللفظي والمادي بين الأفراد، وتنمو الكراهية بينهم بسبب العنف.
إذًا فهي سلسلة من الحوادث المحبطة التي تسبب شعورًا بالغضب، يتطور لاحقًا إلى عدوان أو رد فعل عنيف، وتتعدد المحرضات التي تستفز تلك العملية وتسرعها، كالازدحام السكاني والمروري، وسوء جودة التعليم وأساليبه، وبالتأكيد يغذي الفقر العنف، بالإضافة إلى تشوه مفهوم الذات والمجتمع لدى الأفراد.
ويقع الحل في أيدي الدولة والمجتمع معًا على ثلاثة مستويات، أولها التنشئة النفسية السليمة لأفراد المجتمع، ثانيها تشكيل وعيهم وتوجيههم وإرشادهم عبر الإعلام وتقليل المحتوى العنيف، ثالثها تشريع عقوبات قانونية رادعة للمخربين.
الفكرة من كتاب أسباب وأبعاد ظاهرة البطالة: وانعكاساتها السلبية على الفرد والأسرة والمجتمع ودور الدولة في مواجهتها
تعاني المجتمعات اليوم من مشكلات اجتماعية عديدة تعرقل من عملية نموها، وتنتشر في مستويات مختلفة كالسرطان لتنال من جميع أفرادها، ومن أكثر المشكلات خطورة ظاهرة البطالة، لما لها من انعكاسات مدمرة، حتى إنها تغذي أمراضًا أخرى مثل غياب الوعي السياسي السليم، وانتشار الإساءات والعنف ضد الأطفال.
سنقوم بتشريح تلك الأمراض، لنعلم ما أسباب البطالة والعوامل المؤثرة فيها، وما دور مؤسسات الدولة في التعامل معها، بالإضافة إلى معرفة كيف أن التنشئة السياسية السليمة لأفراد المجتمع تشبع قيم الحرية والانتماء، وأخيرًا نقف أمام العنف لنعرف صوره وأسبابه، ونتناول الإساءات الموجهة ضد الأطفال وآثارها فيهم، وما هو دورنا تجاههم.
مؤلف كتاب أسباب وأبعاد ظاهرة البطالة: وانعكاساتها السلبية على الفرد والأسرة والمجتمع ودور الدولة في مواجهتها
طارق عبدالرؤوف عامر، دكتور وكاتب مصري له مؤلفات عدة في مجالات التربية وعلم الاجتماع، من أهمها: “احتياجات المجتمع وتحديات المستقبل”، “دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في ضوء التوجهات العالمية المعاصرة”.