التناقض والفكاهة
التناقض والفكاهة
غالبًا ما تنشأ الفكاهة نتيجة التعارض أو التناقض بين الأحداث، فنحن -على سبيل المثال- عندما نجد أن أحد كبار اللصوص والفاسدين رئيسًا لجمعية خيرية فهذا أمر متناقض، وبالتالي نجد في رئاسة هذا اللص الفاسد للجمعية الخيرية شيئًا يثير لدينا السخرية والضحك، كما أننا نصاب بموجة من الضحك عندما نكتشف أن أحد تجار المخدرات عضو في مؤسسة لعلاج الإدمان، فمثل تلك الأمور والمواقف تولِّد لدينا حالة من الضحك والسخرية، ورغم أن الضحك قد ينشأ نتيجة التناقض في المواقف، فإن هناك مواقف متناقضة لكن لا تثير أي حالة من حالات الضحك، وذلك راجع إلى تغلُّب الأحاسيس كالخوف والشفقة والحب على الجانب الهزلي، وإلى جانب ذلك يمكن أيضًا أن تنشأ الفكاهة عندما يكون لدينا شيء يتكوَّن من أجزاء غير متجانسة وغير منسجمة، كالكلام غير المفهوم وغير المتجانس الذي نضحك عليه.
فلك أن تتخيَّل أن شخصًا ما ذهب إلى المستشفى، وعندما سأله الطاقم الطبي عن حاجته، قال: أريد أن يتم إخصائي، فظنوا أنه شخص مختل عقلي، فطلبوا له رجال الأمن بالمستشفى ليخرجوه، ولكن بعد محاولات عديدة مع هذا الشخص استسلم الطاقم الطبي لرغبته، وقاموا بإجراء عملية جراحية له قاموا فيها باستئصال خصيتيه، وتم وضع هذا الشخص بعد العملية في غرفة التعافي، وبعد أن أفاق من التخدير، قام بسؤال أحد المرضى كان يرقد في السرير المجاور له، فقال له: ما نوع العملية التي سوف تجريها؟ فرد عليه قائلًا “عملية ختان”، فصرخ الرجل المخصي متأسفًا على حاله؛ تلك النكتة التي تثير ضحك الكثيرين قد نشأت وانبثقت نتيجة انتهاك التوقعات اللفظية، ولذلك ذهب “شيشرون” إلى أن أكثر النكت شيوعًا هي التي يتم فيها توقع شيء ما ويتم قول شيء آخر، فينتج عن هذا التعارض وعدم الاتساق حالة من الضحك.
الفكرة من كتاب فلسفة الفكاهة
تذهب دراسات كثيرة إلى القول إنه لا ينبغي تفسير الفكاهة، لأن تحليلها وتفسيرها يؤدي إلى تدميرها، إذ إن تفسير الفكاهة ينفي عنها كونها فكاهة، وفي الحقيقة هذا ليس صحيحًا إلا في حال تم إلقاء الفكاهة وتفسيرها في ذات الوقت، وبالتالي فإن فهم الطريقة التي تعمل بها الفكاهة لا يعني في الحقيقة تدميرها، وعمومًا فإن للدعابة والفكاهة استخدامات عديدة، فبعض الأشخاص المتصفين بالعنصرية قد يستخدمونها للترويج لأفكارهم التي لا يستطيعون -خوفًا من المجتمع- قولها بشكل تقليدي خالٍ من الدعابة، وقد تستخدم الفكاهة للحض على فضيلة، أو الترويج للجنس والعنف تحت ستار الدعابة، كما أن الفكاهة من وجهة نظر جوناثان ميلر: هي تسلية مجانية للعقل تريحنا من سلسلة الأفكار الروتينية، وتخفِّف من استبدادها، وتمنعنا من أن نصبح عبيدًا لها.
مؤلف كتاب فلسفة الفكاهة
تيري إيغلتون : هو كاتب ومفكر وناقد أدبي وأكاديمي بريطاني، يعمل في قسم الأدب الإنجليزي في جامعة لانكستر، قام بتأليف العديد من الكتب، منها: “النظرية الأدبية”، و”أوهام ما بعد الحداثة”، و”الرعب المقدس”، و”معنى الحياة”، و”مشكلات مع الغرباء”، و”فكرة الثقافة”، و”فلسفة الفكاهة”.
معلومات عن المترجم:
ماجد حامد: ترجم عددًا من الكتب، ومنها رواية “إجازة في بركة دماء”، لمؤلفها مايكل كونللي، وكتاب “نوڤاسين – عصر الذكاء الفائق القادم”، لمؤلفيه جايمس لوڤلوك وبراين آپليارد، ورواية “باسم الشعب”، لمؤلفها زو مايسن.