الاحتواء
الاحتواء
يُحكى في مثل قديم أن “دوام الحال من المحال”، فلن تجد أحدًا سعيدًا طوال الوقت، أو حزينًا طوال الوقت، وكيفية التعامل مع الناس في أمزجتهم الخاصة يعدُّ من المراعاة والاحتواء، وقد تنسى العقول من حين إلى آخر بعض الأمور في الحياة، ولكن القلوب لا تنسى من شاركها فرحتها يومًا أو تقاسم معها أحزانها، وإليك مثال كعب بن مالك في شيخوخته يروي أحداث تخلفه عن الرسول (ﷺ) في غزوة تبوك وكيف جفا الناس عليه، وعندما أتته البشارة بمغفرة الله له، أقبل بين يدي رسول الله (ﷺ) ولم يقم إلا طلحة بن عبيد الله وعانقه، فقال والله لا أنساها لطلحة.
ولكل سن تفكيره الخاص، وحتى التفكير في نفس السن يختلف من جنس إلى آخر، فإذا أردت القرب من أحد تحدث معه بما يتماشى مع سنه وظروفه، فحين خرج جابر بن عبدالله (رضي الله عنه) مع النبي (ﷺ) في غزوة ذات الرقاع، وهو شاب في أول حياته، فحدثه النبي بالحديث يشغل هذا السن فقال له: يا جابر.. هلا تزوجت.
وإذا أردت أن تجيد فن الاحتواء فدائمًا انتبه لاختلاف طبائع الناس لأنه حين قبض الله قبضته في الأرض وخلق منها آدم (عليه السلام)، جاء بنو آدم على قدر طباع الأرض، منهم الرخو ومنهم الصلب، وقبل أن يدخل رسول الله (ﷺ) مكة أسلم أبو سفيان وكان رجلًا من طباعه أنه يحب الفخر، فجعل الرسول (ﷺ) له شيئًا منه، وقال: من أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فالناس في أوجه الحياة تبحث عن قيمتها.
لكن كيف يمكنك أن تحتوي شخصًا دون العفو؟! قد تقع في النفوس آثامٌ ارتكبها الآخرون في حقنا، وبعضنا يُضخِّم الموضوع في نفسه، أو يتكبَّر عن قبول الأعذار والعفو، فانسَ الماضي واستمتع بحياتك، فإليك برسول الله (ﷺ) إذا هو يفتح مكة كان قادرًا على أن يعذِّب أهلها كما عذبوه، ولكنه عفا عنهم فالعفو من شيم الأنبياء.
الفكرة من كتاب استمتع بحياتك
كم من أناس محبوبين يفرح الناس بلقائهم، فكيف يمكن لرجل أن يحبه أهله ويحترمه أصدقاؤه والأطفال يعتبرونه قدوة، ولماذا إذا تكلم أحدنا لم يهتم الناس لكلامه وتكثر الأحاديث الجانبية؟ وفي حين تكلم آخر ينصت الجميع على الرغم من أن الأول قد يكون أكثر علمًا منه؟
الفرق هنا في المهارات وفن التعامل والتميز في الإلقاء، دعونا في هذا الكتاب نلقِ نظرة على من وصف الله (عز وجل) خُلقه فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ لندرس فنون الحياة في المدرسة المحمدية (صلى الله على محمد).
مؤلف كتاب استمتع بحياتك
محمد عبدالرحمن العريفي: هو داعية إسلامي سعودي حاصل على دكتوراه في العقيدة والمذاهب المعاصرة، وأستاذ مساعد في كلية المعلمين بجامعة الملك سعود بالرياض.
وله العديد من المؤلفات مثل: كتاب “ضع بصمتك”، وكتاب “المفيد في تقريب أحكام المسافر”، وكتاب “عاشق في غرفة العمليات”.