إعادة ضبط
لكي يتحقَّق أي عمل في هذه الحياة لا بد من شيئين اثنين: الإرادة والقدرة، والتحدِّي الذي يقع لكثير من الناس لا يكون في “القدرة”، ولكن يكون في “الإرادة”، فقد تتوافر كل الإمكانيات ليبدأ الإنسان في العمل ولكنه لا يتحرَّك أبدًا، لذا يتضح لنا أهمية الإرادة؛ وأهمية النية الصادقة، وقد أشار القرآن إلى هذا المعنى حينما وصف نفور المنافقين من الجهاد أن ذلك كان دليلًا على عدم توافر نيتهم ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾، فإذا ما توافرت النية، نبدأ في النظر إلى الإمكانات والأدوات والخطط، وليس العكس في محاولة للهروب، وقد حرص الإسلام على حث المسلمين على ضبط نواياهم وثباتهم في الموقف بقطع النظر عن النتائج.
لهذا على الإنسان أن يضبط نيَّته لله (عز وجل)، وأن يصدق في مقصده قبل الشروع في الوسائل والأساليب، وأن يضبط بوصلته، ونعني بضبط البوصلة إعادة النظر في الأمور التي حولنا، ومراجعة معتقداتنا تجاهها، وهذه الأمور منها: النظرة إلى الذات، فالكثير ينظر إلى ذاته بطريقة تقلِّل من أهميتها، ويحصر معنى الذكاء أو العبقرية في مجالات محدَّدة وفقط، ولكن بمجرد ضبط تصوُّره عن ذاته فإنه يبدأ في طلب المعالي، كما أن الحديث الإيجابي مع النفس يجعلها أكثر قدرة على مواجهة آلام وتعزيز قيمة الانضباط الذاتي.
ومن الضروري أيضًا ضبط تعريف “الهدف الأسمى”، وذلك لأن المُسلم حين يكون هدفه الفوز برضوان الله فإنه قد طلب أعلى المطالب وأجلَّها، وبهذا المطلب وحده يجاهد المسلم نفسه، ويضبط ذاته لتحقيق هذا الهدف، فالكثير من كتب التنمية الشخصية للكتَّاب غير المسلمين تحصر معنى النجاح أو الفلاح في متعة الجسد وسلامته وتكوين الثروات، ولا تنظر أبدًا إلى الفلاح الأخروي.
الفكرة من كتاب الانضباط الذاتي
طالما تحدَّثت كُتب التنمية الذاتية عن أهمية ضبط الذات، وأن يكون الإنسان قادرًا على التحكُّم بأفعاله، وفي الغالب يكون غرض هذا النجاح نجاحًا دنيويًّا، وبلا شك هو أمر ضروري، ولكن ما ميزان “الانضباط الذاتي” في غاية وجود الإنسان في هذه الحياة؟
إن قيمة “الانضباط الذاتي” تتضح أهميتها ودورها الكبير إذا ما ارتقى الإنسان بغايته من الحياة، والإسلام جعل غاية الإنسان تحقيق العبودية لله (عز وجل)، لذا فإننا باعتبارنا مسلمين سندرك أهمية قيمة الانضباط الذاتي بشكل أوسع وأهم من أي شخص آخر، فالحياة تشبه المعركة التي لا بد أن نخوضها، والانتصار الأوَّل والأكبر في هذه الحياة هو الانتصار على النفس، وحينما ينتصر الإنسان على نفسه فإنه يتحرَّر من استبعاد العادة والهوى، ويبقى حُرًّا طالما بقي حيًّا.
مؤلف كتاب الانضباط الذاتي
الدكتور عبد الكريم بن محمد الحسن بكَّار: كاتب سوري وأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود، يعدُّ أحد المؤلفين البارزين في مجالات التربية والفكر الإسلامي، حصل على درجة الدكتوراه من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر الشريف بالقاهرة.
ألَّف العديد من الكتب، منها: “تكوين المفكر”، و”طفل يقرأ”، و”القراءة المثمرة”.