ما بين الصين وأمريكا
ما بين الصين وأمريكا
تبدأ رحلة الدولار من متجر Walmart، الذي تتعدى فروعه ثلاثة آلاف فرع في أمريكا ويضم أكثر من مئة واثنتين وأربعين سلعة مختلفة، لكن هذه الأعداد الكبيرة من الفروع والسلع ليست ما يميز Walmart، وإنما أكثر ما يميزه الأسعار المنخفضة، فبالنسبة إلى المتجر وزبائنه السعر هو كل شيء، وربما يبدو منطقيًّا أن تكون الأرباح محدودة ما دامت الأسعار منخفضة، لكن هذا ليس صحيحًا تمامًا، فنعم الأسعار منخفضة، لكن توافر المتجر في كل مكان وتنوع السلع فيه والبيع بكميات كبيرة جعل نحو مليار دولار يتدفق يوميًّا إلى خزائنه في جميع أنحاء أمريكا! إذًا أين ستذهب كل هذه الدولارات؟ للإجابة عن هذا السؤال نحتاج إلى أخذ بضعة خطوات نحو الخلف لنعرف من أين يأتي Walmart بمنتجاته الكثيرة المنخفضة السعر، يعتمد Walmart بشكل أساسي على استيراد المنتجات الصينية، ومن بين كل 10 دولارات تنفقها أمريكا على السلع المصنوعة في الصين يدفع Walmart أكثر من دولار واحد.
ونتيجة لهذا الطلب الكبير على المنتجات الصينية، في عام 2015، شُحنت بضائع بقيمة 483 مليار دولار من الصين إلى أمريكا، وعلى الجانب الآخر بضائع بقيمة 116 مليار دولار من أمريكا إلى الصين، وبهذا بلغ الفرق 367 مليار دولار، وهي الفجوة التجارية الكبرى في التاريخ، ومنذ أوائل تسعينيات القرن العشرين، اختفى أكثر من أربعة ملايين ونصف المليون وظيفة في مجال التصنيع في أمريكا، وأُغلق عديد من المصانع بسبب صعوبة الصمود أمام المنافسين بالخارج الذين يوفرون البضائع بسعر أرخص. ولعلنا عرفنا الآن أن جزءًا كبيرًا من دولارات Walmart تقع في قبضة بنك الشعب الصيني، الذي تتدفق إليه مبالغ ضخمة من التصدير إلى الولايات المتحدة وبقية العالم، وتعرف هذه الأموال باسم الاحتياط الأجنبي، ومع تراكم الدولارات من المتوقع أن تصبح قيمة اليوان -العملة الصينية- أعلى من الدولار، لكن هذا لم يحدث، لماذا؟
لأن من مصلحة الصين أن تظل قيمة الدولار مرتفعة، لأنه لو ارتفع اليوان فسيجعل صادرات الصين أغلى، وهذا من شأنه أن يجعل المنتجات الصينية أقل جاذبية، بالإضافة إلى أن ارتفاع سعر الدولار يعزز قيمة الاحتياطات الأجنبية التي جمعتها الصين، وهذا يجعلها أكثر ثراءً، ولهذا تتعمد الصين إبقاء اليوان أقل قيمة من الدولار. ولا تنتهي رحلة الدولار ما بين الصين وأمريكا هنا، وإنما تقرر الصين إعادة كثير من دولاراتها إلى أمريكا عن طريق شراء سندات الخزانة الأمريكية، في صورة نوع من الاستثمار ومحاولات فرض السيطرة.
الفكرة من كتاب سطوة الدولار: رحلة مذهلة لدولار أمريكي لفهم طبيعة الاقتصاد العالمي
في رأيك أين يذهب الدولار الذي ينفقه المواطن الأمريكي؟ هل تعتقد أن الدولارات تنتهي بها الحال في الأسواق والمحلات التجارية أو البنوك المركزية؟
أنا أيضًا فكرت في هذين الاحتمالين المنطقيين، لكن ما لم أضعه في الحسبان أن يحزم الدولار أمتعته ويترك موطنه استعدادًا لرحلة طويلة جدًّا يجوب فيها الأرض من مشرقها إلى مغربها، فارضًا سطوته وسلطته، فهل أستطيع أن أنقل إليك حماستي لتتبع هذه الرحلة والتشوق لفهم خباياها؟ إذا نجحت في ذلك فدعنا لا نُضيع الوقت ونستعد للانطلاق في رحلتنا الآن.
مؤلف كتاب سطوة الدولار: رحلة مذهلة لدولار أمريكي لفهم طبيعة الاقتصاد العالمي
دارشيني ديفيد: عالمة اقتصاد وكاتبة ومذيعة بريطانية، درست الاقتصاد في كلية داونينج «Downing College» بجامعة كامبريدج، تشغل حاليًّا وظيفة كبيرة مراسلي الشؤون الاقتصادية في «BBC»، وقد سبق لها العمل في بنك «HSBC Investment Bank»، وشركة «Tesco»، كما عملت مراسلة ومقدمة أخبار في شبكة «Sky News» البريطانية، ولها مؤلف آخر بعنوان:
Environomics: How the Green Economy is Transforming Your World
عن المترجمة:
سارة فاروق: مترجمة مصرية، تخرجت في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الألسن عام ٢٠١١م بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، تعمل مترجمة أولى لدى مؤسسة «هنداوي»، وسبق لها العمل في الترجمة لدى مجلة «نيتشر»، ومنظمة الصحة العالمية، وشركة «نجوى» للتعليم الإلكتروني، ومن ترجماتها:
«التسويق | مقدمة قصيرة جدًّا».
«عدالة الآنسة بيم».
«قطعة لحم».