ضرب المنظومة الأخلاقية
ضرب المنظومة الأخلاقية
لا يكتفي السر بضرب العقائد وحسب، وإنما ينتقل إلى التفلت من المعايير الأخلاقية، فيدعو إلى الأنانية، نفسك أولًا وليحترق كل شيء آخر، اعتنِ بنفسك ولا علاقة لك بالآخرين، ابتعد عن سماع الأخبار وقراءة الصحف حتى لا تنتقل إليك طاقة الحوادث السلبية، وإياك أن تسمح لأحد أن يبثك همومه وشجونه حتى لا تمتلئ أنت بمشكلاته فتُنغص حياتك، نفسك أولًا مهما كانت، وفي هذا دعوة أخرى إلى الرضا بحال النفس أيًّا كان وعدم انتقادها، وإذا حدث وشعرت بنقد لها حاول أن تركز على الحاضر فيها لتتلاشى أمام عينيك كل عيوبها!
الإنسان هو المسؤول الأول عن سعادته وتعاسته، فالمظلوم هو من اجتلب الظلم لنفسه، وأهل فلسطين هم من جلبوا المحتل إليهم، والأنبياء وأتباعهم هم من جلبوا البلاءات على أنفسهم، هكذا بكل بساطة تقررها الكاتبة وفق عقيدة الجذب لا وفق الشرع والواقع! فالواقع يخالف كلامها لأنه ليس كل من توقع سوءًا حصل له، والشرع يخالف كلامها فليس كل بلاء نقمة على أصحابه وليس كل خاطر سيئ يُحاسب عليه المرء فضلًا عن أن يسببه لنفسه أصلًا!
وأخيرًا تأتينا الكاتبة بمعيار آخر أكثر فوضوية وعبثية من سابقيه، ألا وهو معيار اللذة والمتعة الذي يعد أساس الفكر الغربي اليوم، فهي تدعوك إلى أن تعمل كل ما تحب وتسعى لجلب كل ما يعطيك اللذة والمتعة أيًّا كان؛ دعوة للبهيمية وحياة الأنعام، وليس في الشرع ولا في العقول ما يوافق ذلك، لأن أهواء الإنسان وشهواته ربما أوقعته في الأهوال والمصائب، بل كثيرًا ما يحصل ذلك، وعلى الجانب الآخر لا يحرمك الشرع المتعة والبهجة في حدود المباح والنافع.
الفكرة من كتاب خرافة السر
أطل علينا قبل عدة سنوات كتاب صُدر إلينا من الغرب المادي، كتاب يدعي أنه يمكنك أن تحقق وتحصل على كل ما تريد فقط من خلال إعمال عالم الأفكار، وظهر لنا بفكرة يحسبها جديدة وهي في الأصل قديمة، ألا وهي فكرة قانون الجذب، القانون الذي يعمل دائمًا، القانون الذي يضمن لك كل خير أو شر بحسب أفكارك أنت، فهو لا يدعو إلى التفاؤل أو الإيجابية المحفزة على العمل كما حسبه الكثيرون السذج من القراء العرب، وإنما يقرر صراحة أن كل شيء حصل لك فهو بسببك، بسبب جذبك له، ومن ثم تستطيع الحصول على ما تريد وتجنب ما لا تريد من خلالك أنت، فأنت أقوى مغناطيس في الكون، وتستطيع أن تتحكم في مادياته!
كلام متهافت كهذا، كيف رُوِّج للعامة؟
بالطبع من خلال الإعلانات، ومن خلال “الأكثر مبيعًا في العالم”، ولأنه يتحدث بلغة سهلة مبسطة عن تسهيل الحياة وتحقيق الأماني وهو الكلام المحبب إلى كثير من الناس، وأيضًا تم الترويج له على أنه من تلك الكتب التي تعزز الثقة بالنفس، وتكسر الحواجز النفسية المانعة من تحقيق الأهداف واستثمار المواهب.
وحتى لا نقع في ما وقع فيه الكثير من القراء الشباب، تعال نلقي نظرة حول هذا النقد لذلك السر الذي لم يكن سرًّا!
مؤلف كتاب خرافة السر
عبدالله العجيري: باحثٌ ومُفكِّر ومهندِس سعودي، حاصل على بكالوريوس أصول الدين من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وبكالوريوس هندسة الحاسب الآلي من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، كما حصل على درجة الماجستير عن رسالة بعنوان: برهان الإتقان على وجود الله ودفع شبهات المخالفين عنه، في جامعة الملك فيصل، يعمل حاليًّا مديراً لمركز تكوين للدراسات والأبحاث، مهتم بمنهج الفقه الإسلامي وبالمذاهب العقدية والفكرية، له العديد من المؤلفات والأبحاث والمقالات المنشورة، وله عدد من الكتب المطبوعة، مُحِب للقراءة منذ الصغر، وكانت بدايته مع الثقافة الجادة مع كتاب «صور من حياة الصحابة» للشيخ عبد الرحمن رأفت الباشا.
من مؤلفاته:
شموع النهار.
زخرف القول.
ميليشيا الإلحاد.